ألبوم الصور
من كتاب «الخليج في خرائط تاريخية» للشيخ سلطان القاسمي «حاكم
قائمة المراسلات
اشتراك
انسحاب
3350374
شاهد قبر بخط المسند من القطيف يعود إلى ألفي سنة
نزار العبدالجبار - 24 / 7 / 2005م - 1:32 ص

الآثار سجل حضاري مهم لكل شعب من الشعوب، لأنها تُعبر عن أصالتها، وعن امتداد تاريخي وتراثي. وتعد المصادر الكتابية «النقوش» من أهم الشواهد الأثرية وهي من المصادر المهمة التي يصعب الطعن في قيمتها أو التشكيك في أصالتها إلاّ ما نذر، فهي من جهة معاصرة للحقائق والأحداث التي تسجلها، كما أنها محايدة فتعوض النقص وتسد الفراغ في المصادر التاريخية، ومن جهة ثانية فإنها تمتاز بأن تواريخها صحيحة إلاّ اليسير منها، والأعلام التي تذكر بها يقل التحريف والتصحيف فيها، ومن جهة ثالثة فهي تفيد في مراقبة أقوال المؤرخين وإثبات صحتها أو الكشف عن أخطائها، كما أنها تميط اللثام عن حقائق كثيرة وجديدة مستمدة منها.  فالنقوش مصادر أساسية ومهمة للاستفادة منها في دراسة التاريخ من كافة جوانبه؛ السياسية، والدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية،...الخ.

 والنقوش من سمات الشعب الحضري والمتحضر والقطيف ذات تاريخ وحضارات متعددة تعاقبت عليها، وهي من المدن الهامة القديمة في الجزيرة العربية وشرقها، وواحدة من أقدم المناطق الحضارية في العالم، فقد قدمت التحريات والتنقيبات والاكتشافات الأثرية والتاريخية على قلتها في العقود الأخيرة الدليل تلو الدليل على عراقة القطيف، وفي كل فترة تنمو معلوماتنا عن الحضارات التي ازدهرت في المنطقة.

 أصبح عدد المولعين بكشف حضارات المنطقة يزداد باستمرار من خلال الكشف الأثري أو الكتابي فقد حققوا وكتبوا بحوث رائعة في مجال الكشف عن آثار الماضي.

ومن الآثار المهمة التي اكتشفت بالقطيف هي نقوش المسند الحسائية [1] ، وهي من النقوش المنتشرة في جنوب الجزيرة العربية ونقلت ثقافياً لشرقي الجزيرة العربية، وقد أطلق عليها الحسائية لتمييزها عن المسند الجنوبي لأنها وجدت في منطقة الأحساء.

وتتميز النقوش الحسائية عن نقوش المسند الأخرى على أساس اللغة والثقافة والجغرافية مما أعطاها اسمها «الحسائية».

وأكثر النقوش التي وجدت في القطيف؛ نقوش جنائزية توضع على قبر المتوفى، واليسير منها معاملات تجارية.

 والخط المسند هو قلم جنوب الجزيرة العربية الخاص الذي وجد واستخدم فيها، ومن ثم انتشر في بعض في بعض المناطق المتحضرة من الجزيرة العربية ومنها شرقها، وهو القلم الرئيسي لحضارات ما يعرف اليوم بشرق المملكة العربية السعودية؛ القطيف، والأحساء، وثاج، جاوان،..الخ. ويعد هذا الخط من أبرز الخطوط السامية وأقدمها ومن أرتب وأجمل الخطوط القديمة.

يتألف أبجدية المسند من 29 حرفاً وهي حروف صامته، ويُفصل بين الكلمتين بخط عمودي مستقيم، ومن قاعدة الخط أن يكتب الحرف من اليمين إلى اليسار كالقاعدة المتبعة في الكتابة العربية، وقد يكتب السطر الذي يليه أحياناً من اليسار إلى اليمين، ولكن أغلب نقوش المسند تستكمل من اليمين إلى اليسار. ولا يوجد شيء من النقط أو الإشارات أو الحركات، وقد يكتب الحرف المشدد مرتين، وتعود أقدم النقوش المكتشفة حتى الآن لخط المسند في جنوب الجزيرة العربية إلى القرن التاسع قبل الميلاد تقريباً واستمر استخدامه إلى القرن السادس الميلادي. وبفك رموز الكتابة وجد أن لكل حرف من حروف المسند شكل واحد تقريباً إلاّ ما نذر، بعكس الخطوط الأخرى التي يكون للحرف فيها أكثر من شكل، ولا يوجد فواصل بين الكلمات، واختلافات في اتجاه أبجدية الكتابة. 

القراءة
:

ن ف س / وق ب ر / ل ي هـ
ن / ب ن / هـ ن ع ب د / ع
؟ ن ي / ذال / س ع د إل

الترجمة:

شاهد وقبر لحيه
ن بن هن عبد ع
يني من قبيلة سعد إل

ترجمته مكتمل:

شاهد وقبر لحيهان بن هن عبد عيني من قبيلة سعد الله

التعليق:

• نفس: تأتي بمعنى نُصب، مسلة، شاهد. ووردت في النقوش التدمرية، واللحيانية، والنبطية. كما وجدت صيغة أخرى في النقوش الحسائية التي وجدت بالقطيف والتي تعطي نفس المعنى تقريباً «وجر».

• وقبر: الواو حرف عطف و«قبر» بمعنى ضريح «مكان الدفن»، وكلمتي نفس وقبر صيغ استهلالية تسبق اسم المتوفى وتأتي في مقدمة النقوش الجنائزية. وكلمة «قبر» وجدت في كثير من النقوش والكتابات القديمة منها؛ النقوش الفينقية، والأوجاريتية، والآرامية الفلسطينية.

• لحيهان: اسم علم مذكر، تكرر الاسم كثير في اللغات القديمة منها اللحياني، والصفوي، والثموذي، والسبئي، والقتباني، والمعيني.

• بن: ابن.

• هن: أداة تعريف، وهنا سبقت كلمة «عبد»، وهن من الأدوات التي تفرق اللهجة الأحسائية عن لهجات جنوب الجزيرة العربية.

• عبد: اسم علم بسيط بمعنى خادم، مولى، تابع، عابد الإله. وتصبح القراءة «بن العبد».

• بن: ابن.

• عـ(؟) ـني: الحرف الثاني غير واضح ولكن يظهر منه الجزء العلوي ويمكن ترجيحه إلى حرفين وهما (ث، ي) وتكون القراءة كما يلي (عفني، عيني) وربما تكون الأقرب إلى الصواب حرف (ي) فتكون (عيني).

والنسب هنا بتعيين ثلاثة أجيال وبعدها جاء اسم القبيلة وأغلب النقوش التي وجدت في القطيف لا تتعدى الاسم الثلاثي.

• ذال: أداة تسبق أسماء القبائل بمعنى من، فتكون القراءة (من قبيلة)، ويرى «ونيت» المتخصص باللغات القديمة أنها أيضاً تسبق العائلة، ولكن من خلال قراءتي لكثير من النقوش الأحسائية رأيت أن الأداة التي تسبق العائلة هي «بنو». وهنا ورودها بمعنى «من قبيلة»، واستخدمت الأداة بشكل واسع في الكتابات المسندية وعند الثموديين.

• سعد إل: اسم مركب لقبيلة عربية، جاء اسم القبيلة بعد أداة «ذال» الدالة على معنى «من قبيلة»، و«ذال سعد إل» تأتي بمعنى «قبيلة سعد إيل»، وتأتي أيضاً بمعنى «قبيلة سعد الإله»، و«قبيلة سعد الله».

وجدت بعض النقوش في سوريا مسجل فيها «قبيلة سعد إل».وجاء في كتاب «القبائل الثمودية والصفوية دراسة مقارنة [2] » للروسان – بخصوص قبيلة سعد إل: «ومن مواطن هذه القبيلة في وادي غزر وهجر الهلا كذلك بالقرب من النمارة في سوريا». بناءً على النقوش التي قام بدراستها.

ورد اسم «سعد إل» لأسماء أعلام مركبة لأشخاص، في النقوش السبئية، والمعينية، والثمودية، والصفوية [3] .

ومن أنساب قبيلة «سعد الله» كما جاء في كتاب «الروسان»:

النسب له أهمية عظيمة لدى المجتمعات العربية القديمة، لما له من دلالات واضحة تبين نسب العربي القديم وإلى من ينتمي، إذاً بالمجتمع العربي قبلي، كما أن التفاخر بالأنساب له دلالة واضحة عند العربي القديم، حيث أن لكل قبيلة مكانتها الاجتماعية آنذاك، وبالتالي فإن العربي القديم عندما يقوم بكتابة اسمه واسم أبيه وجده وقبيلته فذلك فخر له لأنه ينتمي إلى قبيلة معروفه أو مهمة وخاصةً إذا كانت تلك القبيلة لها شأن في المجتمع.

• إل: أداة تطلق على الإله، وتأتي بمعنى «إله، آلهه، معبود، الله، إيل».

أن القدماء قد تسموا بكلمة «إيل» التي تعني الله لدى الأولين، فالأولون كانوا يؤمنون بالله كما ذكر القرآن الكريم ولكنهم لم يستطيعوا الإيمان بالله وحده كالخالق وحيد، كما أن «إيل» ظهرت في القرآن الكريم مدمجة في العديد من الأسماء مثل: إسماعيل «يسمع إيل» وغيره من أسماء الأنبياء والملائكة مما يرجح بقوة أن كلمة «إيل» تعني الله [4] . و«إل» لا تأتي إلاّ مع أسماء الأعلام، وهنا تكون بمعنى «قبيلة سعد الله».

الشرح:

النقش أحد النقوش التي وجدت بمنطقة القطيف بالخط المسند المشهور والمعروف بالمنطقة، معروض حالياً بمتحف الأحساء المحلي، وهو غير مؤرخ، ويرجح تاريخه بناءً على ورود «قبيلة سعد الله» إلى ما بين قبيل الميلاد بوقت قريب وإلى بدايات الميلادي.

النقش منحوت على الحجر ويقع في ثلاثة اسطر ويقرأ من الجهة اليمنى والكلمة التي لم تكتمل في السطر يكملها في السطر الذي يليه.

ومن مميزات قلم المسند انه ذو انتظام فائق في الشكل، ويلاحظ هنا غير ذلك من خلال حروفه وفترته التاريخية المبكرة التي يعود إليها.

والنقش شاهد قبر لعلم مذكر ثلاثي النسب ومعه في النسب القبيلة «سعد الله» وهي من قبائل العرب.والنقش غير مؤرخ.

ويبقى السؤال هل قبيلة «سعدالله» سكنت واستوطنت المنطقة، أو فخد منها، أو لشخص فقط من القبيلة توفى ودفن بالقطيف!!!!!

ومما أضافه لي الأستاذ / عبدالخالق الجنبي [5]  بخصوص قبيلة «سعد الله»

أما عن القبيلة (سعد إل) أو (سعد الإله) أو (سعد الله):

فهذه القبيلة فيما يبدو لي قبيلة يمنية من العصر المعيني، وقد وردت في النقش (معين 27):

وقد ورد في هذا النقش كلامٌ عن قبيلة (عَمَم)، وقال صاحب النقش أنهم أخوال قبائل (يَدَع)، و(ودَد إل)، و(سَعْد إل).

وقد ذكر ابن المقرَّب قبيلة أسماها عمم قرنها في بيت شعر مع قبائل يمنية بائدة، وهو قوله:

وَأَينَ طَسمٌ وَأَولادُ التَبابِعِ مِن         َولادِ حِميَرَ وَالساداتُ مِن عَمَمِ

وقد علّق شارح ديوانه بقوله: وعمم من لخم منهم آل منذر.

وقد علقت عليه بقولي في الحاشية 581: وهم بنو عمم بن نُمارة بن لخم بن عدي بن مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. انظر معجم البلدان رسم (أوارة)[6] .

[1]  من النقوش بالخطوط القديمة التي وجدت بالقطيف «الثمودي، الصفوي، الآرامي».
[2]  ص: 319-320.
[3]  أبو الحسن، حسن: قراءة لكتابات لحيانية من جبل عكمة بمنطقة العلا، ص 55.
[4]  http://www.alsaha.com/sahat/Forum2/HTML/004625.html
[5]  تفضل عليّ بقراءة البحث وأضاف عليه معلومات وتصحيحات - وإليه مني الشكر والتقدير.
[6]  انظر شرح الديوان بتحقيقنا ج2:872.